كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهذه الإضافة «روح الله» هي إضافة التشريف والإجلال والتكريم كما يقال «بيت الله» و«رسل الله» و«نعمة الله» و«ناقة الله».
وقيل هي اضافة خلق وملك كَمَا قَالَ: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا مِنْهُ} [الْجَاثِيَة: 13] أَيْ مِنْ خَلْقه. وكقولك: هذه نعمة منه أي من الله فهذه النعمة خالقها ومالكها هو الله سبحانه وتعالى وعندما نقول روح منه أي مخلوقة ومملوكة لله سبحانه وتعالى.
والقول هنا في كلمة روح منه تدل على أن المسيح من خلق الله فهو روح من الوهاب عز وجل وهذه تفند اعتقاد الطائفة التي زعمت أن المسيح إله غير الله أو بمعنى انه إله مع الله، فجاء الرد الإلهي بأنه روح منه أي كباقي الأرواح التي خلقها الله سبحانه وتعالى.
ولعل هذه الإضافة لصفة عيسى عليه السلام إلى الله تعالى: «روح الله»، هي التي اعتمدها المسيحيون، وأقاموا على مدلولها أسس دينهم، في قضية التثليث، ففسروا هذه الألفاظ تفسيرًا محمولًا على الظاهر، دون الانتباه إلى الدلالة اللغوية لهذه الإضافات.
وكلمة روح هنا ليست خصوصية اختص الله تعالى بها في قرآنه السيد المسيح عليه السلام فهناك معان أخرى لكلمة روح، وهناك من أطلقت عليه هذه اللفظة أيضًا.
يقول الله تعالى عن آدم عليه السلام: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29].
والقرآن الكريم هو نفسه روح من أمر الله تعالى، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].
ووحي الله تعالى لكل أنبيائه، سمي في القرآن روحًا من أمر الله تعالى، يقول الله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل: 2].
وجبريل أمين الوحي عليه السلام سمي في القرآن روحًا من الله تعالى وذلك في قوله تعالى: {فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17].
وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 192].
وقد سمى القرآن الكريم معونة الله تعالى، وتأييده، ونصره للمؤمنين، عند القتال بالروح منه، قال الله تعالى: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22].
وإذا انتقلنا إلى كتب النصارى نجد أن كاتب رسالة يوحنا الأولى [4: 1] قد صرح بأن الروح التي هي من الله ليست هي الله وإنما هي شخص أو إنسان فقال: «أيها الأحبة لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله؟ لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم».
إن قول يوحنا: «لا تصدقوا كل روح» يفيد أن الروح شخص، فهو صادق إذا قامت البراهين على صدقه، وكاذب إن دلت الأدلة على كذبه.
10- معجزات السيد المسيح عليه السلام:
السيد المسيح عليه السلام نبي كسائر الأنبياء- عليهم السلام- دعا قومه إلى الأيمان بالله تعالى، وبين لهم شرائع اختلفوا فيها، ومنهجًا للحياة السعيدة، يقول الله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الزخرف: 63].
ومع هذه الدعوى إلى الله تعالى: كان لابد من معجزات تظهر تأييد الله عز وجل لرسوله بدعوته، وهذه المعجزات تتناسب مع أحوال كل قوم من الأقوام.
والمعجزات المذكورة في القرآن الكريم عن المسيح عليه السلام هي:
1- إبراء الأكمة.
2- إبراء الأبرص.
3- إحياء الموتى.
4- نزول المائدة من السماء.
5- تصوير الطين، والنفخ فيه، فيصبح حيًا بإذن الله سبحانه وتعالى.
6- الإخبار ببعض المغيبات. التي أطلعه الله عليها.
7- الكلام في المهد.
وكل هذه المعجزات هي بأمر الله تعالى وإذنه، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: 38].
والآيات التي ذكرت تلك المعجزات لم تغفل هذه الناحية، حيث بينت أن هذه المعجزات هي لإثبات نبوة المسيح عليه السلام وكلها تجري بأمر الله تعالى وتأييده.
يقول الله تعالى: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 49].
وقول الله سبحانه وتعالى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مؤمنين * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 112].
11- نهاية المسيح عليه السلام:
قد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة على أن عيسى بن مريم عبدالله- عليه الصلاة والسلام- رفع إلى السماء بجسده الشريف وروحه، وأنه لم يمت ولم يقتل ولم يصلب، وأنه ينزل آخر الزمان فيقتل الدجال، ويكسر الصليب، ويحرم أكل الخنزير، ويضع الجزية بمعنى أنه لا يقبل إلا الإسلام، وثبت أن ذلك النزول من أشراط الساعة، وقد أجمع علماء الإسلام الذين يعتمد على أقوالهم على ما ذكرناه، وإنما اختلفوا في معنى التوفي المذكور في قول الله عز وجل: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آل عمران: 55] على أقوال:
أحدها: أن المراد بذلك وفاة الموت، لأنه الظاهر من الآية بالنسبة إلى من لم يتأمل بقية الأدلة والقرائن، ولأن ذلك قد تكرر في القرآن الكريم بهذا المعنى، مثل قوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة: 11]، وقوله سبحانه: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ} [الأنفال: 50] وعلى هذا المعنى يكون في الآية تقديم وتأخير.
القول الثاني: معناه القبض، نقل ذلك ابن جرير في تفسيره عن جماعة السلف، واختاره ورجحه على ما سواه، وعليه يكون معنى الآية: إني قابضك من عالم الأرض إلى عالم السماء وأنت حي ورافعك إلي، ومن هذا المعنى قول العرب: توفيت مالي من فلان أي قبضته كله وافيًا.
القول الثالث: إن المراد بذلك وفاة النوم، لأن النوم يسمى وفاة، كقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر: 42].
والقولان الأخيران أرجح من القول الأول.
ومهما يكن من أمر فالحق الذي دلت عليه الأدلة البينة، وتظاهرت عليه البراهين، أنه عليه الصلاة والسلام رفع إلي السماء حيًا، وأنه لم يمت، بل لم يزل عليه السلام حيًا في السماء، إلى أن ينزل في آخر الزمان ويقوم بأداء المهمة التي أسندت إليه، المبينة في أحاديث صحيحة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسيكون نزوله عليه الصلاة والسلام علامة من علامات الساعة. لقوله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} أي أن عيسى عليه السلام سينزل في آخر الزمان، ويكون نزوله، علامة من علامات الساعة.
ثم يموت بعد ذلك الموتة التي كتبها الله عليه مصداقًا لقوله تعالى: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}.
وأما من زعم أن اليهود قد تمكنوا منه وأنهم قتلوه أو صلبوه فصريح القرآن يرد قوله ويبطله، والأدلة على ذلك كثيرة معلومة، منها قوله سبحانه وتعالى في شأن عيسى عليه السلام: {وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ} [المائدة: 110] فقد كف الله سبحانه اليهود عن المسيح حين هموا بقتله وأنجاه من كيدهم.
ومن ذلك قوله تعالى على لسان المسيح: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ} ولا شك أن السلام على المسيح حين يموت لا يكون بتعليقه على الصليب ودق المسامير في يديه حتى يموت معذبًا.
ومن ذلك قوله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} [النساء: 157].
12- إبطال وقوع صلب المسيح بالدليل التاريخي:
يدعي النصارى أن المسلمين بقولهم بنجاة المسيح من الصلب ينكرون حقيقة تاريخية أجمع عليها اليهود والنصارى الذين عاصروا صلب المسيح ومن بعدهم.
فكيف لنبي الإسلام وأتباعه الذين جاءوا بعد ستة قرون من الحادثة أن ينكروا ذلك؟!!
قد يبدو الاعتراض النصراني وجيهًا لأول وهلة، لكن عند التأمل في شهادة الشهود تبين لنا تناقضها وتفكك رواياتهم.
ولدى الرجوع إلى التاريخ والتنقيب في رواياته وأخباره عن حقيقة حادثة الصلب، ومَن المصلوب فيها؟ يتبين حينذاك أمور مهمة:
- أن قدماء النصارى كثر منهم منكرو صلب المسيح، وقد ذكر المؤرخون النصارى أسماء فرق كثيرة أنكرت الصلب.
وهذه الفرق هي: الباسيليديون والكورنثيون والكاربوكرايتون والساطرينوسية والماركيونية والبارديسيانية والسيرنثييون والبارسكاليونية والبولسية والماينسية، والتايتانيسيون والدوسيتية والمارسيونية والفلنطانيائية والهرمسيون.
وبعض هذه الفرق قريبة العهد بالمسيح، إذ يرجع بعضها للقرن الميلادي الأول ففي كتابه «الأرطقات مع دحضها» ذكر القديس الفونسوس ماريا دي ليكوري أن من بدع القرن الأول قول فلوري: إن المسيح قوة غير هيولية، وكان يتشح ما شاء من الهيئات، ولذا لما أراد اليهود صلبه؛ أخذ صورة سمعان القروي، وأعطاه صورته، فصلب سمعان، بينما كان يسوع يسخر باليهود، ثم عاد غير منظور، وصعد إلى السماء.
ويبدو أن هذا القول استمر في القرن الثاني، حيث يقول فنتون شارح متى: «إن إحدى الطوائف الغنوسطية التي عاشت في القرن الثاني قالت بأن سمعان القيرواني قد صلب بدلًا من يسوع».
وقد استمر إنكار صلب المسيح، فكان من المنكرين الراهب تيودورس (560م) والأسقف يوحنا ابن حاكم قبرص (610م) وغيرهم.
ولعل أهم هذه الفرق النكرة لصلب المسيح الباسيليديون؛ الذين نقل عنهم سيوس في «عقيدة المسلمين في بعض مسائل النصرانية» والمفسر جورج سايل القول بنجاة المسيح، وأن المصلوب هو سمعان القيرواني، وسماه بعضهم سيمون السيرناي، ولعل الاسمين لواحد، وهذه الفرقة كانت تقول أيضًا ببشرية المسيح.
ويقول باسيليوس الباسليدي: «إن نفس حادثة القيامة المدعى بها بعد الصلب الموهوم هي من ضمن البراهين الدالة على عدم حصول الصلب على ذات المسيح».